طفلة تعشق المطر

طفلة تعشق المطر،، القصة الفائزة بالمركز الثالث بمهرجان الطالبة المبدعة الثاني


لمريم... من مجلة حياة


طفلة تعشق المطر !!


يأسرني رذاذ المطر .. يشدني بقوة إلى عالم آخر .. فتحلق روحي حتى تلامس الغيمة الرحيمة .. أتوسدها .. ألثم جنباتها ..إن بيني وبين المطر حكاية غرام ... فكلما جادت السماء بمائها خرجت إلى الحديقة .. أقفز فرحاً كطفلة صغيرة .. أبلل نفسي ... وأنعش جسدي بارتعاشة البرد .. أستنشق عبق الطين المبلل برائحة المطر .. وأفتح فاهي نحو السماء علني ألتقط حبة أو اثنتين من الرحمة النازلة .. لم يوقظني من الإغفاءة الحالمة غير صوت خطوات بطيئة لطفلة في السادسة من عمرها .. ماالذي جعل طفلة مريضة تترك سريرها الأبيض الدافئ لتخرج ؟؟ اندهشت في البداية .. ثم تبسمت لها .. كانت تنظر لأعلى .. غير عابئة بما حولها .. إلا المطر .. ياااااااااااه أيها المطر .. كيف باستطاعتك أن تأسر القلوب على اختلاف أعمارها .. فابنة السادسة تعشقك كما تعشقك ابنة السادسة والعشرين .
نظرت إليها أتأملها .. لاأدري لماذا شعرت أني أعرفها .. نظراتها الآملة في التحليق .. كفاها المضمومتان إلى بعضهما برجاء تحت ذقنها .. صورة أعرفها جيداً .. وصوت خطواتها مألوف لسمعي حتى بدأت أفتش في زوايا ذاكرتي عن مثيلاتها .. من أنت ياطفلتي . ؟؟!!
دقائق قليلة وازداد سقوط قطرات المطر شدة .. خرجت والدة الطفلة وأمسكت بيدها ترجعها لعالم الواقع .. والطفلة تأبى ذلك .. وتستمر روحها في التحليق مع رذاذ المعشوق .. دخلتا إلى داخل المستشفى متوجهتان إلى غرفة الطفلة .. بينما توجهت إلى الكافتيريا المفضلة لدي .. حيث تطل بجدار زجاجي كامل على حديقة المستشفى .. طلبت قطعة كعك خفيفة و"كابوتشينو" دافئ .. كان هذا النوع من الإفطار طقساً شتائياً تعودت عليه منذ أيام الجامعة .. انتهيت من إفطاري وتهيأت للقيام بالزيارة الصباحية للمرضى .
كان يوماً هادئاً نوعاً ما .. لم يكن لأحد من المرضى شكوى أو مشكلة حقيقية ,, فآثرت الذهاب إلى غرفة الألعاب بجناح الأطفال .. أستمتع معهم بطفولة لم أذقها .. وأتعرف بالأطفال المرضى الذين لم ألتق بهم في غرفهم .. وهناك لم أجد غير طفلة وحيدة ووالدتها .. هي نفس طفلة المطر ...كانت الأم تجلس على أحد الكراسي تقرأ القرآن وفي عينيها خيال دمعة تقاوم السقوط .. أما الطفلة فكانت تجلس على الأرض تركب المكعبات الملونة وتعيد تفكيكها مرات عدة .. بطريقة توحي أن عقلها غارق في أمور أخرى غير تلك القطع الملونة الصغيرة التي تعبث بها .. سلمت على الأم فردت سلامي باقتضاب .. فلم أزد على كلمتي السلام حرفاً .
توجهت بعدها إلى صندوق الأقنعة .. ووضعت على وجهي قناع الأرنب .. قمت بقفزات سريعة إلى حيث تجلس الطفلة .. واصطنعت صوتاً يشبه أصوات شخصيات الرسوم المتحركة : صباح الخير ياصغيرتي .. مااسمك ياحلوة ؟
فلم تعرني انتباهاً ..
قفزت أمامها : ألم تسمعيني .. صباح الخير .. أنا الأرنوب اللطيف صديق الصغار .. من أنت ؟؟
وجهت لي نظرات خالية من أي تعبير ،، مما جعلني أصر على مشاكستها .. فانتزعت المكعبات من بين يديها .. ولم تزد على أن قامت من مكانها متوجهة نحو الأرجوحة .. قفزت إليها سريعاً .. أمسكت بظهرها لأدفعها عالياً .. فروعتني ردة فعلها .. لقد صرخت بفزع .. وتوجهت إلى أمها .. وخبأت وجهها بعباءتها .. تسمرت للحظات .. ثم همست لها : آسفة ياصغيرتي ..
وتوجهت بالسؤال إلى والدتها : مااسمها ؟
ردت بصوت ضعيف : أمل
فهمست مرة أخرى : أمل .. حبيبتي أمل .. تعالي إلي .. انظري لقد نزعت القناع .. اسمي ندى صديقة الصغار .. أنا لاأخيف أحداً ياأمل .
ورفعت ناظري إلى والدتها أرجوها أن تكف عن البكاء هي الأخرى .
ثم نهضت وقلت لها : أمل ياصغيرتي .. أنا الآن سوف أذهب لمكتبي وأنت اذهبي واستريحي في غرفتك . وسأزورك حتماً .
وماإن خطوت خارجة حتى سمعت النداء : الرجاء من الأخصائية الاجتماعية ندى التوجه إلى قاعة الاجتماعات للأهمية .
وبالفعل كان ذلك .. وماإن فتحت القاعة حتى طالعتني وجوه يبدو عليها الهم أكثر من الاهتمام .. كان الدكتور جمال استشاري طب الأطفال ، والدكتور أحمد استشاري النساء والولادة ، واستشارية الطب النفسي سمر متحلقين حول الطاولة الدائرية .. وهم صامتون واجمون .. حتى جلست على مقعدي وتساءلت : خيراً ياجماعة .. ماالأمر ؟؟
بادر الدكتور جمال : قبل يومين زارتني في العيادة طفلة عمرها ست سنوات .. تشكو من ألم في بطنها وبعد الفحص والتحاليل تبين أن لديها التهاباً شديداً في البول ..
فعلقت : وماالغريب في ذلك .. الأطفال في هذه السن معرضون لالتهابات البول خصوصاً إن كانوا مهملين من قبل الوالدين .
رد الدكتور أحمد : لقد حولها الدكتور جمال علي لمزيد من الفحوصات .. فماالذي تتوقعين أني اكتشفت ؟؟
فتحت عيني وهززت رأسي متسائلة : ماذا ؟؟
رد بألم : إنها مصابة بالأيدز .
فلم أع ماقاله .. أصابني الدوار ... وشعرت بالغثيان والإرهاق .
بعدها فتحت عينين دامعتين : ماذا ؟؟ ومن الحقير ؟؟
ردت سمر الطبيبة النفسية : حتى الآن غير معروف . هي الآن منومة بجناح الأطفال ، وقد تم تحويلها إليك .
هنا أمسكت بالملف : قرأت ..
الاسم : أمل عبد الله
العمر : 6 سنوات
رقم الملف : 301665
العيادة المحول منها المريض : عيادة الأطفال
سبب التحويل : إصابة الطفلة بالأيدز نتيجة تعرضها للاعتداء الجنسي .



آه ياصغيرتي .. الآن فقط فهمت سر التوحد بيننا .. الآن فقط عرفت سر عشقك للمطر .
أواه أيها المطر ...قسماً بمن خلقك أن قلوبنا طاهرة كرذاذك .. شفافة كغيماتك .. ولكن أصابعاً قذرة عبثت بها .. وعكرت صفو نقائها .. فرحماك خذنا إليك .


.................